Saturday, December 6, 2008

: امامة التطبيع ،،،،،، محمد عبد الحكيم دياب

Posted by مجلة المصداقية السياسية at 1:58 PM
مشيخة الأزهر من حماية الدين إلى "إمامة" التطبيع
اعتدنا على تصرفات شيخ الأزهر، وهي الأغرب في تاريخ الأزهر.. الممتد لأكثر من ألف عام، وحين يصافح "الإمام الأكبر" يد بيريس رئيس الدولة الصهيونية.. الملطخة بدماء العرب من كثرة ما قام من عمليات تقتيل وإبادة ضدهم..
وحين يفعل ذلك فهو يعلم إنه يمثل الأزهر ولا يمثل نفسه، ومع ذلك لا يحسب للأمر حسابا. ورغم ردود الفعل الغاضبة والرافضة فقد ثبت أن الرجل لا يقدر منصبه ولا مقامه الرفيع حق قدره، ويتعامل مع الرأي العام باستخفاف شديد، وهو شيء لا يليق به ولا بسنه ولا علمه، ويعزو البعض تصرفات الشيخ إلى خوف دفين مترسب في نفسه منذ أن ترك قريته، وهذا الخوف لاحقه وزامله حتى بدا الشيخ وكأنه افتقد الشعور بالأمان.. بدا عدوانيا على من هم أقل منه شأنا ومنصبا، ووديعا مع من هم أقوى نفوذا وسطوة..
مثل هذه الشخصية غالبا ما تنتصر للأقوياء، والأقوياء في نظرها ثلاثة: سلطة السياسة والأمن كسلطة متجبرة وباطشة، وسطوة المال بما له من قدرة على الإغراء والإٌغواء، ونفوذ العدو مالك العدة والعتاد، الذي يمكنه ارتكاب جرائم الاحتلال والإبادة.. سلطة السياسة صاحبة قرار تمنح به المنصب وتملك القدرة على سحبه، وسطوة المال تغري بالامتلاك وتحقق حلم الثراء، وتهزم الأحلام الأخرى المعاكسة، وهذا أوقع الشيخ في محاذير لم يقع فيها غيره من شيوخ الأزهر.
مشكلة شيخ الأزهر ليست في مصافحة بيريز، أو مقابلة الحاخامات، أو الإذعان لطلب الرئيس الفرنسي ساركوزي في فتوى تخص شأنا فرنسيا داخليا.. يتعلق بمواطنيها من النساء والفتيات المسلمات. سجله حافل بسب وأهانة الصحافيين والصحافيات، وطردهم من مكتبه وملاحقتهم.. وينسب إلى الشيخ طنطاوي القول بأنه آخر شيخ للأزهر، وقد يكون هذا القول صحيحا، لكنه يعكس ما يضمره لهذه المؤسسة الدينية العريقة، وقد يكون بذلك معبرا عن هدف الضغوط الخارجية على الأزهر في السنوات الأخيرة، وهدفها إنهاء دوره والقضاء على تأثيره، ولأن الشيخ "خواف" يقبل بهذه الضغوط ولا يبدي اعتراضا أو امتعاضا.. تجنبا لإغضاب المسؤولين، ومراكز القوى: من حسني مبارك وولده وحرمه وحاشيتهم.. إلى رجال المال والأعمال.. الحاكمين والمتحكمين، وقوى أخرى متجبرة.. ممتدة على خط واشنطن ولندن وباريس وبرلين وتل أبيب.
ان عملية تصفية الأزهر دخلت مراحلها الحاسمة، مع أول ظهور لمشروع نظيف، المؤيد على استحياء من رئيس جامعة الأزهر أحمد الطيب، والمشروع في حقيقته ليس مشروعا نظيفا.. إنه أمريكي النشأة والمولد.. صهيوني الهدف والغاية.. تتبناه الإدارة الأمريكية وأوكلت تنفيذه إلى موظفيها الساميين السابقين والحاليين مع سفاراتها في القاهرة وتل أبيب والرياض وبغداد والكويت، وبمساعدة شخصيات وجمعيات أهلية أمريكية وأوروبية.. في مقدمتها مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وجماعتها المسماة "جماعة أولبرايت للسلام ودراسات التسامح"، ويقوم المشروع في جانبه المصري.. وله جوانب أخرى في باقي الأقطار والبلدان العربية والإسلامية.. يقوم على فصل الأزهر.. الجامع والجامعة.. وهما جناحا المؤسسة الدينية العريقة، وقد بدأ تنفيذ مشروع نقل تبعية جامعة الأزهر، التي تضم 66 كلية، إلى وزارة التعليم العالي، وضم المعاهد الابتدائية والإعدادية والثانوية، التي يربو عددها على التسعة آلاف معهد، إلى وزارة التربية والتعليم، لتوحيد المناهج وجهة التبعية والإشراف، وفي النهاية تقليص الأزهر واختزاله في كلياته التقليدية الثلاث: اللغة العربية والشريعة وأصول الدين.
ونحن نقر بوجود حاجة ماسة إلى معالجة عشوائية نظم التعليم في مصر وتضاربها.. وسبب هذه العشوائية هو انقسام التعليم وتوزيعه بين تعليم مدني عربي وتعليم مدني أجنبي، وتعليم ديني إسلامي وآخر مسيحي وثالث يهودي..
والتعليم المدني موزع بين خاص وعام، وكذا التعليم الديني، واستفادت الدول الغربية والمنظمات التبشيرية من هذا الوضع، ووسعت من نطاق التبعية السياسية لتشمل التبعية التعليمية والدينية.. أنشأت لحسابها جامعات تتولى تدريس مناهجها وبرامجها، وذلك على حساب التعليم الوطني العربي والتحقير من شأنه وشأن لغته وقيمه، وليت الوجود التعليمي الأجنبي بقي قاصرا على الجامعة الأمريكية، بل شمل الجامعة البريطانية، والجامعات والمعاهد الفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية وغيرها، ناهيك عن مدارس ومعاهد الجمعيات والإرساليات التبشيرية.. الكاثوليكية والبروتستنتية والصهيونية.. وفي هذا المناخ العشوائي يتم التغيير في الأزهر بعيدا عن المعالجات الوطنية والقومية والدينية السليمة، وقريبا من تلبية المطالب الغربية والصهيونية، كجزء مما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وسيزداد الحرج حين تحل مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، في مطلع كانون الثاني (يناير) القادم، وتلتقي بشيخ الأزهر، ومن المقرر أن تجتمع مع رئيس جامعة الأزهر في الثالث من نفس الشهر.. و"جماعة أولبرايت للسلام ودراسات التسامح" تمثل موقعا متقدما في مجال التطبيع.. وتأتي وعلى جدول أعمالها مطالبة مصر ﺒ"إصلاح" التعليم، خاصة التعليم الديني لبناء ما تسميه جسور "التفاهم الإسلامي الأمريكي" أي دعم التطبيع!
وقطعت المشيخة شوطا كبيرا على طريق إضعاف الأزهر، حيث تمكنت من الضغط على المجلس الأعلى للأزهر، فأصدر قراره بتدريس مؤلفات الشيخ طنطاوي في "الفقه الميسر" على مراحل التعليم الأزهري المختلفة، وهي خطوة مطلوبة أمريكيا لمصادرة التعددية الفقهية (السنية والشيعية) المميزة للأزهر على باقي المؤسسات الدينية الإسلامية الأخرى، ولم يمنع الرفض الواسع من جموع المشايخ ورجال الدين من تنفيذ القرار.. وأغلقت مشيخة الأزهر بذلك أبواب دراسة المذاهب الفقهية الأخرى أمام الأزهريين، وحيل بينهم وبين التراث الفقهي المتراكم، بما يحتويه من غنى واجتهاد وخصوبة.. ندر وجودها في تراث آخر. وتبدو المشيخة مستجيبة للضغوط الخارجية وهي تضع الصعوبات والمعوقات أمام التعليم الأزهري، مثل فرض رسوم إضافية للقبول بمعاهده وكلياته بمراحلها الأربع، وهي مبالغ تثقل كاهل دارسيه، البالغ عددهم مليون ونصف المليون طالب.. غالبيتهم من الفقراء وأبناء الريف والمكفوفين، الذين يحتاجون إلى العون والمدد، وتتراوح الرسوم بين مئة وخمسمئة جنيه لم يفرض مثلها للقبول بالتعليم العام. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى الهروب من الأزهر، إما بترك التعليم كلية أو بالسعي للالتحاق بالتعليم العام، رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة للدستور، وتجاوز واضح لقانون تطوير الأزهر الصادر في سنة 1961.
ومصافحة شيخ الأزهر لشمعون بيريس تؤكد تحول مشيخة الأزهر إلى ترس في ماكينة الأمركة والتطبيع، والمصافحة في هذا السياق إعلان واضح عن توجهات الشيخ وفهمه لدوره، وهو هنا يكاد يتطابق في مواقف وتصرفات حسني مبارك وزوجته وابنه جمال ولجنة سياساته ووزرائه، فمن يدين المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان والعنصرية، ويقف متفرجا على حصار غزة لا يختلف في ممارساته كثيرا عن غيره من الموظفين.. مثل أحمد أبو الغيط، الذي توعد بكسر أرجل الفلسطينيين إذا ما اجتازوا الحدود، بينما الصهاينة يسرحون ويمرحون في منطقة طابا وجنوب سيناء!!، لهذا لا يحتاج شيخ الأزهر إلى إدعاء الجهل وعدم معرفته بشخص بيريس لتبرير موقفه المرفوض.. هذا هو العذر الأقبح من الذنب، فهو يعرف بيريس تمام المعرفة، وهذا الجهل المدعي يدين مساعديه وموظفيه، فهذا المنصب السامي محاط بالعارفين والعالمين بالأحداث والتطورات والشخصيات وقواعد العلاقات الدولية، وحدود التعامل مع الآخرين في المؤتمرات والاجتماعات المشتركة.. إنه يعلم أنه صافح من أباد شهداءنا وقتل أسرانا، ثم يأتي ويدعي الجهل..
ومعنى أن تتم المصافحة في وقت إحكام الحصار على غزة وغلق معبر رفح.. معناه إعلان الموافقة والتأييد لما تقوم به السلطات الرسمية ضد الفلسطينيين، ونحن على قناعة أن شيخ الأزهر سوف يصافح ألف بيريس وبيريس ما استمر حيا وشاغلا لمنصبه، ومن كانت قدوته حسني مبارك ويراه متجهما وخشنا حين يلتقي الفلسطينيين، وهاشا باشا وسعيدا ضاحكا مع القادة الصهاينة.. يربت بيده على كتف أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني حين يلقاه في شرم الشيخ!! ومن كانت هذه قدوته يمكن أن يفعل أكثر من هذا.. البلاد تغلي من جحيم الغلاء وعشوائية الحياة ووحشية نظام مبارك، ومن حال الفلسطينيين، ويأتي شيخ الأزهر يزيدها غليانا، وليس أمام المطالبين بعزله إلا دعوة طلاب الأزهر للقيام بهذه المهمة، فهم الأقدر عليها، وما على القوى الوطنية والقومية والإسلامية إلا أن تدفع بهم إلى المواجهة حتى يرحل
.

0 comments

 

خادم الحرمين زعيم العرب وامير المؤمنين Copyright © 2009 Blue Glide is Designed by Ipietoon Sponsored by Online Journal