Saturday, June 14, 2008

Posted by مجلة المصداقية السياسية at 2:48 PM
الكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة والسياسة
Image Hosted by ImageShack.us
روايات عديدة تحدثت عن ظهور كرة القدم، وعن الدول التي مارست اللعبة قبل الميلاد بآلاف السنين، ولكن المؤكد أن الروايات ربطت بين كرة القدم والأنظمة السياسية.
فالصينيون يرون أنهم أول من عرفوا كرة القدم في عهد الملك "هوانغ تي" عام 2500 قبل الميلاد، وهي المرحلة التي شهدت فيها الصين ازدهارًا كبيرًا، وكانت اللعبة تسمى “FSU CHM” أي كرة القدم، وكانت وسيلة لتدريب الجنود على الفنون الحربية مثل الدفاع والهجوم والتكتل، وقد كان اللعب عنيفًا جدًا، ولم يكن هناك اهتمام بالمصابين أو الجرحى أو حتى الأموات خلال المباراة.
أما الإنجليز الذين يرون أن كرة القدم تمثل تراثًا عريقًا لبلادهم، فهم يؤكدون أن أول كرة تقاذفتها الأقدام كانت رأس جاسوس دانماركي، وفي رواية أخرى كانت رأس ملك الدانمارك نفسه احتفالاً بالنصر عليهم، وكان هذا في مقاطعة "شيستر"، واستمرت كرة القدم تشكل جزءاً من طقوس الاحتفال بالانتصارات الحربية، ودليلاً على قوة الأنظمة السياسية حتى عام 1846م حين بدأت إنجلترا في وضع قوانين كرة القدم بشكلها الحالي، وتوسعت في إنشاء الأندية الكروية ونشر اللعبة في الدول التي استعمرتها في أفريقيا وآسيا.
وظلت كرة القدم دليلاً على قوة السلطة وقدرة الجيش على تحقيق الانتصارات العسكرية حتى اليوم، بل وزادت الأنظمة السياسية من اهتمامها بكرة القدم.
الدول الإشتراكية سابقا وكرة القدم
وأحسنت الأنظمة السياسية في ربط الانتصارات الكروية بالتطورات السياسية التي تمر بها البلاد:
رومانيا:
وليس أدل على ذلك من إشادة الرئيس الروماني "اليون اليسكو" بمنتخب بلاده الذي وصل إلى الدور ربع النهائي في كأس العام 1994م بأمريكا بفضل تألق نجم الفريق جورج هاجي، وأرجع الرئيس الروماني في حديثه للشعب هذا الانتصار إلى التحول السياسي الذي شهدته رومانيا في مطلع التسعينيات وإلى الانفتاح على العالم، وإلى القضاء على الشيوعية والاشتراكية والتحول إلى الرأسمالية والسوق الحر.
وقد ساعد الرئيس الروماني في حديثه هذا أن رومانيا لم تصل إلى نهائيات كأس العالم آنذاك سوى 6 مرات وقد خرجت في 4 منها من الدور الأول، وخرجت من الدور الثاني مرة واحدة فقط، أما في تلك البطولة فقد قدَّمت كرة قدم جميلة بفضل التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، وبالفعل خرجت المظاهرات لاستقبال فريق الكرة العائد من أمريكا وهي تهتف للحكومة وللرئيس "اليون اليسكو"، ولنجمها المحبوب جورج هاجي، وأعطى حديث الرئيس الروماني انطباعًا للشعب بأن التحول السياسي هو السبب في العروض والنتائج المتميزة التي قدمها الفريق!.

بلغاريا:
وقد حدث هذا أيضًا في بلغاريا - وفي نفس الوقت - حيث شهدت تحولاً سياسيًّا مماثلاً، واستطاعت لفت أنظار العالم إلى فريقها الذي قاده النجم المتألق "هريستوستويشكوف" للفوز بالمركز الرابع في كأس العالم 1994م، بل والفوز بلقب هدًّاف كأس العالم.
وقد خرج البلغاريون إلى الشوارع هاتفين لفريقهم الذي تمكن من الفوز على ألمانيا حامل اللقب في دور الثمانية في مفاجأة هزَّت الأوساط الكروية في العالم وحوَّلت الأنظار إلى البلغار، وهتفت الجماهير للمسئولين الحكوميين، وطافت بأعلام بلادها الشوارع وأرجعت أيضًا الانتصار الكروي إلى التحول والتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد والقضاء على الشيوعية، ولعنت الجماهير الأنظمة الاشتراكية السابقة التي كانت تؤدي إلى خروج فريق بلادها دائمًا من الدور الأول خلال المرات الست التي وصل فيها الفريق إلى نهائيات كأس العالم اللهم إلا الوصول لدور الثمانية في مونديال 1986م بالمكسيك.

جمهورية التشيك:
وحدث هذا أيضًا في جمهورية التشيك حين سافر الرئيس "فاتسلاف هافيل" إلى لندن لحضور نهائي الأمم الأوروبية عام 1996م باستاد ويمبلي بعد وصول فريق بلاده إلى المباراة النهائية أمام ألمانيا، وكان سفر الرئيس يُوْحِي للشعب التشيكي أن الانتصارات الكروية التي يتحدث عنها العالم - والتي أسعدت الشعب - يقف خلفها الرئيس شخصيًّا، ولعل العبارات القوية التي قالها الرئيس عند لقائه بالفريق، بعد حصوله على المركز الثاني، تمثل خطابًا سياسيًّا، فقد قال لهم كلامًا من نوع: لقد رفعتم رأس التشيك عاليًا، لقد حققتم انتصارًا عظيمًا يتحدث عنه العالم، إنكم لتستحقون أرفع الأوسمة والنًّياشين!.

هذه النظم السياسية في شرق أوروبا التي شهدت تحولاً سياسيًّا جذريًّا في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، استغلت انتصارات كرة القدم في البحث عن الشرعية ورضا الجماهير، ومحاربة الشيوعيين الذين يرفضون هذا التحول السياسي والاقتصادي، واكتسبوا هم رضا السواد الأعظم من جماهير الكرة، وهم – ولا شك - أغلبية كبيرة، وحازوا أيضًا الرضا الشعبي بسبب شكر نجوم الكرة للمسئولين السياسيين الذين شجعوهم وساندوهم ووفَّروا لهم كل شيء حتى لبن العصفور!.
دول أخرى

البرازيل:
في البرازيل - وبعد الفوز بكأس العالم 1994م - طلب الرئيس البرازيلي إعفاء لاعبي المنتخب من الجمارك تكريمًا لهم على الفوز الكبير بكأس العالم، وصعد الرئيس سلم الطائرة وحمل الكأس مع "دونجا" كابتن الفريق، وركب معهم الحافلة (الأتوبيس) التي أقلتهم جميعًا إلى قصر الرئاسة لتكريمهم، ونسي الشعب البرازيلي هموم الفقر والمجاعة والتضخم والديون لشهور طويلة؛ لأنهم كما يقولون حينما تلعب البرازيل يعتكف الشعب أمام أجهزة التليفزيون، وحينما تفوز يخرج كل الشعب إلى الشوارع.
فالحكومة البرازيلية كانت تبحث عن تجميل وجهها بالانتصار الكروي، تمامًا كما فعلت من قبل حين عيَّنَت جوهرة الكرة "بيليه" وزيرًا للرياضة، ولكنه أدرك بعد شهور أنه "درع" للحكومة، فالشعب لا يهاجم الحكومة التي تضم بين وزرائها الجوهرة السوداء "بيليه" الذي أسعدهم بأهدافه الساحرة، وأدرك بيليه ذلك فاستقال من منصبه، فاختارت الحكومة الجوهرة البيضاء "زيكو" وزيرًا للرياضة، وبعد شهور قليلة أمضاها زيكو في المنصب، أدرك أنه لا يفعل شيئًا للرياضة بسبب الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها البلاد، فترك المنصب الوزاري مفضلاً عليه العمل مساعدًا لمدرب المنتخب البرازيلي.
وهكذا يستغل النظام السياسي في البرازيل الانتصارات الكروية ونجوم الكرة البرازيلية الأفذاذ؛ لاكتساب رضاء الجماهير، ولتقليل الهجوم عليهم من فئات الشعب الساخطة على الأوضاع السياسية والاقتصادية.
الكرة عند العرب
وفي وطننا العربي تمثل كرة القدم مساحة كبيرة من اهتمام ملوك الدول العربية ورؤسائها، فإن فازت فرق بلادهم في البطولات القارية، أو صُعِّدَ منتخب بلادهم إلى نهائيات كأس العالم، أو حتى لو فاز على فريق دولة عربية عريقة ولها نتائجها الطيبة على المستوى العالمي، فإن هذا يتم إضافته إلى رصيد الحكم وشرعيته باعتبار أنه ذلَّل كل العقبات، وحل المشاكل كافة وكان وراء الفريق حتى فاز بالبطولة، ويؤدي هذا إلى رضاء الجماهير عن الملك أو الرئيس بل والهتاف له.

المغرب:
ففي المغرب، نال المنتخب المغربي رعاية واهتمامًا خاصًّا من الملك الحسن الثاني، فكان من عاداته أن يستقبل المدير الفني للمنتخب المغربي عند بدء توليه مهام عمله. ويتعرف على مطالبه، ويأمر بتوفيرها، وقد حدث هذا مع البرازيلي "خوزيه فاريا" مدرب نادي الجيش الملكي المغربي الذي تولى تدريب منتخب المغرب حتى صعد به إلى نهائيات كأس العالم بالمكسيك عام 1986م، بل واستقبل الملك الحسن الفريق بعد نتائجه وعروضه الطيبة في البطولة ومنح اللاعبين الأوسمة والنياشين، وعطف على المدرب البرازيلي ومنحه الجنسية المغربية أيضًا.
وقد فعل الشيء نفسه مع الفرنسي هنري ميشيل الذي قاد أيضًا منتخب المغرب للصعود إلى مونديال فرنسا عام 1998م، بعد أن لمس الملك بنفسه حجم المؤامرة التي تعرض لها فريق بلاده من منتخبي البرازيل والنرويج بمساعدة الحكم الأمريكي الذي سبب احتسابه لضربة جزاء لصالح النرويج في الوقت الضائع إلى إبعاد المغرب عن الصعود لدور الـ 16، وقد أشاد الملك بفريق بلاده، ودعا الشعب إلى استقبال "الأبطال"، وبالفعل خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه لاستقبال "الأبطال"، وفي مقدمتهم الملك الذي منحهم الأوسمة والنَّياشين، وتعطَّف على هنري ميشيل بالجنسية المغربية أيضًا.
بل والأكثر من هذا أن الملك الحسن تحدث إلى سعيد بلقولة الحكم المغربي قبل إدارته لنهائي كأس العالم بساعات وطالبه بأن يحسن تمثيل المغرب أمام العالم كله الذي يتابع تلك المباراة، وبعد المباراة بعث إليه ببرقية تهنئة بسبب ظهوره بمستوى رائع ومشرف لدولة المغرب، والأكثر من هذا أن الملك استقبله وكرَّمه بعد عودته ومنحه أرفع الأوسمة، خاصة وأنه أول حَكَم من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يدير نهائي كأس العالم.

تونس:
وفي تونس، أولى الرئيس زين العابدين بن علي كرة القدم اهتمامًا ورعاية، خاصة بعد تألق الأندية التونسية على المستوى القاري وفوزهم بالبطولات الإفريقية، وقد منح الرئيس التونسي العاملين في الدولة إجازة في أيام مباريات تونس في كأس العالم الأخيرة، ولكنه لم يتمكن من السفر لحضور المباريات في الملعب، مثلما فعل كثيرون وفي مقدمتهم الملك الحسن الثاني ملك المغرب، والملك خوان كارلوس ملك أسبانيا.

ليبيا:
بل إن دولة مثل ليبيا ليس لها وجود على خريطة كرة القدم العربية أو الإفريقية أدركت مؤخرًا أهمية كرة القدم في دعم الأنظمة السياسية، ودورها المؤثر في التفاف الجماهير حول القيادة السياسية، فتمَّ تعيين الساعدي القذافي نجل الرئيس الليبي رئيسًا لاتحاد الكرة، ولاعبًا أيضًا في المنتخب الوطني، وتعيين أخيه محمد القذافي رئيسًا للجنة الأولمبية الليبية، والساعدي نائبًا له.
وقد لعب الساعدي القذافي لنادي أهلي طرابلس حتى توقف النشاط الرياضي عام 1997م بعد أحداث مباراة الأهلي والاتحاد، وكان هذا بأمر من الرئيس الليبي شخصيًّا.
وقد حاولت ليبيا اختصار سنوات طويلة في شهور قليلة، فقام الساعدي القذافي بالتعاقد مع "الدكتور ربيلاردو" الذي قاد الأرجنتين للفوز بكأس العالم ليتولى تدريب منتخب ليبيا، وتوسط نجم كرة القدم ديجو أرماندو مارادونا لإتمام هذه الصفقة، كما تعاقد الساعدي القذافي مع العدَّاء العالمي "بن جونسون" لوضع برنامج تأهيلي لرفع اللياقة البدنية لنجل الرئيس وكابتن ليبيا ورئيس اتحاد الكرة ونائب رئيس اللجنة الأولمبية.
والطريف أنه رغم كل هذا خسر المنتخب الليبي من أوغندا - ذات التاريخ الكروي المتواضع - 2/3 في إطار استعدادات ليبيا لتصفيات كأس العالم، ويذكر أن ليبيا لم تصل إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية نهائيًّا خلال 22 بطولة تمت إقامتها إلا عام 1982م حين نظمت البطولة على أرضها وشاركت بوصفها المنظم.
وإذا كانت ليبيا لا تاريخ لها مع كرة القدم أو الرياضة، فإنه يمكن جذب كبار نجوم اللعبة إلى ليبيا في زيارات رسمية يستقبلهم خلالها العقيد معمر القذافي، ويحدث هذا باستمرار خاصة مع نجوم الكرة البرازيلية والأرجنتينية.

الأردن:
وفي الأردن، يولي الملك عبد الله بن الحسين اهتمامًا خاصًّا لكرة القدم، وليس الملك وحده وإنما كافة أعضاء الأسرة المالكة، وقد تجلى هذا بوضوح خلال دورة الألعاب العربية بالأردن في صيف العام الماضي حين كانوا يحضرون كافة المباريات المهمة للفرق الأردنية، بل وكان الملك يتحرر كثيرًا من الأزياء الرسمية، ويذهب إلى الملاعب بملابس رياضية، وقد اشتهر بحضوره هو والأسرة المالكة المباريات وهو يرتدي القميص رقم 99.
وكان الأمير هاشم شقيق الملك يتدرب مع فريق الكرة للشدِّ من أزر اللاعبين وبثِّ الحماس في نفوسهم، وكانت الأميرة "هيا" شقيقة الملك تنافس في مسابقات الفروسية للفوز بميدالية، بل إن ولي العهد شخصيًّا الأمير حمزة بن الحسين قد حضر في أوائل الشهر الجاري نهائي البطولة العربية لكرة القدم للآنسات بالأردن وسلم الكؤوس والميداليات.
ومن الغريب أن الأزمات الكروية في الأردن يحتاج حلها إلى استخدام "الثقل الملكي" للأمير علي بن الحسين رئيس اتحاد الكرة، ولعل آخر تلك الأزمات التي تدخل لحلها الأمير في نهاية شهر يناير الماضي/ كانون الثاني هي قرار نادي الوحدات بسحب لاعبين من المنتخب الوطني احتجاجًا على اهتمام مدرب المنتخب بلاعبي الفيصلي وإشراكهم كلهم في المباراة الودية مع "ردستار" اليوغسلافي وعدم إشراك أي من لاعبي الوحدات الخمسة.
وقد تدخل الأمير علي بن الحسين وعنَّف المسئولين في نادي الوحدات، وهدَّد باتخاذ إجراءات قاسية ضد من يحاول هزَّ استقرار المنتخب الوطني، وأكد عند اجتماعه برجال الإعلام أنه مهموم بالبحث عن مدرب أجنبي كفء!.
وقد أشادت وسائل الإعلام الأردنية بحكمة الأمير علي بن الحسين وبضرورة قربه من كرة القدم الأردنية، وأشادت كثيرًا بجهود الأسرة الهاشمية بتشجيع الرياضة ورعاية الرياضيين.
وهكذا، فإن الأسرة الهاشمية في الأردن تسعى للحصول على تأييد الشعب واكتساب رضاه من خلال التقرب إليهم عن طريق كرة القدم.

مصر:
ولو كانت الكرة على أيام نابليون بونابرت لَتَقَرَّب إلى المصريين بها بدلاً من مشاركتهم أعيادهم الدينية والتمسح في الإسلام وادعاء العمل بتعاليمه!.
ففي مصر، حضر جمال مبارك نجل الرئيس المصري محمد حسني مبارك دورة الألعاب الأوليمبية، واجتمع بالبعثة المصرية وناشدهم السعي للفوز بالدورة ورفع علم مصر، حدث هذا رغم أن جمال مبارك ليس له منصب رياضي رسمي، وإن كان مهتمًّا بأنشطة الفروسية بنادي الحرس الجمهوري ويحضر بطولات تلك اللعبة، كما أنه هو وأخاه علاء مبارك كانا يشاركان في الدورات الرمضانية الكروية مع نجوم الكرة المصرية، وقد حضر الرئيس محمد حسني مبارك نهائي تلك الدورة في أحد الأعوام.
كما حرص الرئيس مبارك على زيارة الأندية المصرية التي تحسن تمثيل مصر في البطولات الإفريقية، فزار المقاولون والزمالك والأهلي، وحضر نهائي بعض البطولات القارية من المدرجات، وخرج كأول رئيس مصري للمطار لاستقبال فريق رياضي فائز ببطولة قارية، وقد حدث هذا حينما فاز الفريق المصري بكأس الأمم الإفريقية عام 1998م، وقد خرج وخلفه الملايين الذين يهتفون لوطنهم، ويرفعون علمه، بينما يشيد أبطال إفريقيا بجهود المسئولين السياسيين ويهدون الكأس للرئيس مبارك.
وقد تدخل الرئيس مبارك شخصيًّا لتهدئة الرأي العام المصري بعد هزيمة الفريق الوطني أمام السعودية في كأس العالم للقارات بالمكسيك في أغسطس عام 1999م، وطالب الدكتور الجنزوري- رئيس الوزراء آنذاك- باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح مسار الكرة المصرية، فتمَّ حل اتحاد الكرة، وإقالة المدرب محمود الجوهري وجهازه الفني.
والدكتور الجنزوري كان يبعث برسالة إلى الرأي العام المصري صباح كل مباراة في كأس الأمم الإفريقية سنة 1998م ومساءها، فقد كان في الصباح يتحدث إلى حسام حسن كابتن الفريق وهدَّافه ويطالبه بتشريف مصر ورفع اسمها، وفي المساء يهنئه على الفوز‍.
ومن الغريب، أن مجلس الشعب المصري لم يُقِر قانون الأحوال الشخصية، الذي أثار جدلاً كبيرًا في كل بيت مصري إلا خلال نهائيات كأس الأمم الإفريقية التي كانت تقام بنيجيريا وغانا لعام 2000م، وكان هذا استغلالاً لاهتمام الرأي العام المصري بمباريات البطولة.
وفي مصر أيضًا، يلعب نجوم الكرة دورًا مهمًّا في انتخابات البرلمان المصري بتأييدهم لهذا المرشح أو ذاك، وحضور نجم كروي لمؤتمر انتخابي يعني رضاء النجم من المرشح، ودعوة النجم المحبوب للناخبين بانتخاب هذا المرشح.

السعودية:
أما في المملكة العربية السعودية، فقد أعطت الأسرة المالكة الرياضة وكرة القدم خاصة اهتمامًا كبيرًا في الـ 30 سنة الأخيرة، فعَيَّن الملك فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين نجله الأمير فيصل بن فهد رئيسًا لرعاية الشباب والرياضة، ولما انتقل هذا الأمير الشاب إلى جوار ربه في أغسطس 1999م عيَّن أخاه الأمير سلطان بن فهد بدلاً منه. الأمير فيصل بن فهد صنع للمملكة العربية السعودية مكانة دولية من خلال الرياضة عامة – وكرة القدم خاصة، فكان لدعمه المادي للاتحادات الآسيوية والمجلس الأولمبي الآسيوي تأثيره في طرد إسرائيل من تلك الاتحادات، كما كان لدعمه أيضًا للاتحادات الدولية وخاصة كرة القدم تأثيره الإيجابي على الكرة السعودية، فاحتل السعودي عبد الله الدبل رئاسة اللجنة الفنية بالاتحاد الدولي، وهو منصب مهم جدًا، كما احتل هو منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي، وكان له دوره المؤثر في الانتخابات، وخاصة الانتخابات الأخيرة والتي جمع فيها الأصوات العربية والأسيوية لتأييد بلاتر ضد منافسة السويدي يوهانسون الذي كان يحظى بتأييد الدول الأوروبية، وانتصر فيصل بن فهد في معركته ضد أوروبا.
فيصل بن فهد، استطاع جمع العرب في ملاعب كرة القدم مرتين أو ثلاث سنويًّا على الأقل، فاكتسب وهو رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم مكانة متميزة عند الرأي العام العربي، واستطاع أن يجعل للسعودية دورًا مهمًّا على الساحة الدولية لكرة القدم، وقد نال - هو وبلاده - شكر وامتنان الرأي العام المصري حين تدخل بحكم منصبه الدولي لمنع إقامة مباراة الإعادة بين مصر وزيمبابوي في تصفيات كأس العالم 1994م بأمريكا الجنوبية، ونفَّذ طلب المسئولين الحكوميين المصريين بإقامة المباراة في فرنسا، فكانت مساندته تلك لا تقل من المساندة في أي موقف سياسي دولي.
كما سعى إلى وجود السعودية على خريطة كرة القدم العالمية، فلم يبخل بإنفاق الملايين على استقدام أفضل التقنيات والمدربين العالميين لإحداث نهضة كروية حتى تحقق حلم الشعب السعودي بالصعود إلى نهائيات كأس العالم عام 1994م في أمريكا وعام 1998م في فرنسا، وكانت نتائج السعودية في مونديال أمريكا حديث العالم، وكان هدف سعيد العويران في مرمى ميشيل بدرووم البلجيكي حديث كل الناس على الأرض، وقارنوا كثيرًا بينه وبين هدف مارادونا في مرمى إنجلترا عام 1986م بالمكسيك.
ومن هنا حاز النظام الملكي في السعودية على رضاء الشعب، ا الذي يتحدث عن جهود الملك وأبنائه في تحقيق الانتصارات الكروية، ونالوا تأييد السواد الأعظم ، وهتفوا للملك والأمير.

وهكذا، فإن كرة القدم تلعب الدور نفسه في دول الخليج كلها، فالمسئولون عن اللعبة هم أبناء الأمراء والمشايخ، ويبحثون عن مكانة لأنفسهم في دولة كرة القدم، وإن لم يفلحوا في تحقيق الفوز ببطولة قارية أو الصعود لنهائيات بطولة عالمية استقدموا إحدى الفرق الأوروبية التي تحضر إلى الشرق من أجل المال، ويكون الفوز عليها أو التعادل مدعاة للتفاخر ومادة للحديث عن الإنجاز والنهضة. وهم في الغالب يبحثون عن التفوق، ليس من أجل التفوق دائمًا، ولكن من أجل الحديث بكلمة "الانتصار"، والهدف هو دعم النظام سياسيًّا والحصول على تأييد الناس ورضائهم.

فلسطين:
أما أطرف ما يمكن أن يقال عن كرة القدم، فإنها الآن تمنح الدول وجودًا قبل الوجود الرسمي، وهذا ما حدث في معركة فلسطين وإعادة عضويتها إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، وقد عادت خلال اجتماعات الاتحاد الدولي بفرنسا 1998م، وقد حاولت إسرائيل بكافة السبل منع هذا، إلا أن العرب تحالفوا، وكان لصفقة مساندة بلاتر في الانتخابات فاتورة مهمة وهي إعادة عضوية فلسطين للفيفا. وهذا الأمر يمنح فلسطين وجودًا رسميًّا وشرعيًّا على المستوى الدولي، فإن اللقاءات الدولية بين فريقها الوطني والفرق الأخرى يستدعي الحصول على تأشيرات سفر، والهبوط في مطار دولي، وعزف السلام الوطني قبل المباريات، وأي معوقات من جانب الإسرائيليين للفريق الضيف فسوف تكون أفضل دعاية لما يرتكبه اليهود عن فظائع على أرض فلسطين.
لم تَعُد كرة القدم لعبة فقط، وإنما أصبحت أداة سياسية مهمة جدًّا في أيدي السياسيين يلعبون بها لكسب وُدِّ المواطنين ولدعم النظام السياسي القائم والتفاف الشعب حول علم بلاده والهتاف باسم الحكومة والحاكم.

0 comments

 

خادم الحرمين زعيم العرب وامير المؤمنين Copyright © 2009 Blue Glide is Designed by Ipietoon Sponsored by Online Journal