

كباريه الذي أنتجه السبكي بكل تاريخه السابق بداية من اللمبي –إذا تغاضينا عن أفلامه السابقة- مرورًا بحاحا وتفاحة وكركر وكتكوت وقصة الحي الشعبي، والمخرج سامح عبد العزيز الذي بدأ بداية متواضعة مع فيلم أحلام الفتى الطائش ثم فيلم من أسوأ ما يكون مع خالد النبوي وهو حسن طيارة، ستجد المؤلف هو أحمد عبد الله الذي انطلق قويًا مع عبود على الحدود والناظر، ثم تراجع تراجعًا مذهلاً مع ميدو مشاكل و 55 إسعاف واللمبي وغيرها من الأفلام، ستجد نجومًا اعتدنا على مشاهدتهم في الدراما التلفزيونية مثل أحمد بدير وعلاء مرسي ودنيا سمير غانم وهالة فاخر ومحمد الصاوي، وممثلين لم يستطيعوا إثبات أنفسهم مثل جومانة مراد ومحمد لطفي وماجد الكدواني، وممثلين يقدمون عادة المطلوب منهم وخاصة عندما لا يوجد مخرج يوجههم وهم خالد الصاوي وصلاح عبد الله وفتحي عبد الوهاب، كل هذه العناصر كانت كفيلة بصناعة فيلم قد لا تتحفز لمشاهدته حتى ولو كنت من عاشقي الفن السابع.ولهذا فإن المستوى الذي ظهر عليه فيلم كباريه كان مفاجأة صادمة بكل المقاييس، بالطبع صدمنا من مستواه الجيد الذي لم يكن متوقعًا بأي حال من الأحوال، فمن يقرأ تاريخ صناعه يعرف جيدًا أنهم نسوا المقاييس السينمائية، نسوا أو تناسوا ما هو الفيلم الجيد وما هو الفيلم السيئ؟ تنتظر منهم أن يقدموا مشهدًا واحدًا جيدًا في الفيلم، لأنهم –من وجهة نظرك- لن يستطيعوا تقديم فيلم جيد بالكامل أو حتى متوسط، وأشد المتفائلين يتوقعون فيلمًا نصفه متوسط والنصف الآخر سيئ.بدأ الفيلم بداية شديدة الجاذبية والنعومة، أحمد بدير –علام- الرجل الكبير في السن يصلي صلاة الجمعة، ويخرج من الصلاة، وعلى وجهه علامات الطيبة والورع ليستقل الميكروباص، ينزل من الميكروباص ليدخل إلى مقر عمله "الكباريه" والذي يعمل به نادلاً، تقطيعات متميزة تميز بها المخرج والمؤلف ليعرض لك كل من يعملون بالكباريه قبل توجههم لعملهم، محمد لطفي بلطجي شهم، يبحث عن حقوق الآخرين ويجلبها لهم دون أن يأخذ حقا أكبر من حقه، وهو البودي جارد في الكباريه، علاء مرسي يعاني من مستواه المادي المتدني، ويريد أن يجلب مصاريف ابنته للمدرسة ويعدها بأنه سيأتيها بها في هذا اليوم حتى تستطيع الذهاب إلى المدرسة، والذي يعمل جامعا للنقود التي يرميها الزبائن على الراقصات، خالد الصاوي المطرب المغمور ذو الإمكانات المتواضعة الذي تتركه زوجته لأنه يرتبط بامرأة عراقية –هالة فاخر- وتصرف عليه، وهي السيدة التي تبحث عن الشباب من أجل المتعة والإحساس بأنها مرغوبة، وفي الوقت نفسه يعاني خفوت نجمه بعد أن صعد أحد خدامه القدماء –إدوارد-وصنع أغنية حققت له شهرة واسعة، وهناك الفتاة –جومانة مراد- التي تعمل "ريكلام" في الكباريه، وهي مهنة معروفة في أوساط أولاد الليل، امرأة تجلس مع الزبائن من أجل المال، والتي تساعد أمها المريضة، وتحاول جمع مال من أجل سفرها للحج، وتتعرف إلى فتاة صغيرة في السن –دنيا سمير غانم- هربت من بيت أهلها بسبب زوج أمها الذي يحاول التلصص عليها والتحرش بها جنسيا، فتعرفت إلى عامل غرر بها بعد أن أقنعها أنه سيتزوجها، ثم أحضر أصدقاءه من أجل ممارسة الجنس معها، فتلتقطها جومانة لتعمل معها في الكباريه.
صلاح عبد الله من الفيلم
وكل هؤلاء يعملون لدى فؤاد حامد –صلاح عبد الله- صاحب الكباريه الذي ورثه عن أبيه، الرجل الذي يصلي ويصوم ولا يقترب من النساء ولا الخمر، يشرب اللبن الرائب وعصير البرتقال، ويستعد للسفر مع زوجته إلى العمرة في صباح اليوم التالي، وهي العمرة التي اعتاد على فعلها كل عام، وله أخ أعرج خميس –ماجد الكدواني- الذي اشترى نصيبه من الميراث بعد أن استدان بسبب لعبه للقمار، ويجعله أخوه يعمل في حمام الكباريه لأنه يحرج من إعاقته، وهذا الأخ على الرغم من الإهانة التي يتلقاها من أخيه، إلا أنه لا يستطيع ترك الكباريه، بسبب إدمانه على الخمر ورؤية نساء الكباريه.خطان آخران في الفيلم على قدر كبير من الأهمية، الشاب المتطرف –فتحي عبد الوهاب- الذي أهلته جماعته وكلفته بتفجير الكباريه الذي يعد منبع الفساد والرذيلة في المجتمع، وكذلك محمد شرف الذي يعمل بالكباريه ولكنه يصادف حظًا سيئا منذ رحلة خروجه في طريقه للكباريه وحتى وصوله، فيسرق ويضرب وتصدمه سيارة وتبتر قدمه عن طريق الخطأ في المستشفى، حتى يصل إلى الكباريه، وهناك خط درامي آخر داخل الكباريه لعريس وعرسه في ليلة زفافهما، والذي يخدمه أصدقاؤه ويعطونه كل أنواع المخدرات في هذه الليلة من أجل قضاء ليلة جيدة في ليلة زفافه، حتى يسقط في النهاية.مجموعة من الشخصيات التي استطاع أحمد عبد الله رسمها ببراعة شديدة يحسد عليها، جعلت المجال مفتوحا أمام كل هؤلاء الممثلين للإبداع وإثبات الذات، جعلتهم يظهرون موهبتهم الحقيقة، فتخلصت جومانة مراد من الأفلام الرديئة والاتهامات التي كانت تلاحقها بسبب سوء أدائها، أثبت أحمد بدير أنه ممثل من طراز نادر، وقدم أفضل أدواره في الفيلم ببراعة يحسد عليها، جذبك من أول ظهور له وحتى النهاية، أما خالد الصاوي فقد غار هو الآخر من زملائه وقدم صورة مختلفة للمطرب الشعبي السكير، ودنيا سمير غانم خرجت من عباءة الفتاة الملائكية لتقدم فتاة ليل منحرفة، محمد لطفي حاول في دوره كثيرا واجتهد فيه، باختصار كل الممثلين أصبحوا نجومًا في هذا الفيلم.تشابك العلاقات وتعدد الشخصيات داخل الفيلم كانت منفذا لسقوط أي مخرج في شباك الأخطاء الإخراجية الساذجة مثل القطعات الحادة ونسيان الشخصيات والتهريج، ولكن إحكام كتابة السيناريو أعطى الفرصة للمخرج كي يتفرغ للإخراج، والمسألة الصعبة والسهلة في الوقت نفسه هي أن أحداث الفيلم تدور معظمها داخل مكان واحد وهو الكباريه، وهو ما يحسب لمهندس الديكور الذي بنى الكباريه بشكل جيد يتيح للمخرج التحرك بكاميرته بشكل سلس، كما أن الموسيقى التصويرية تركت بصمتها القوية في الفيلم على الرغم من أن الموسيقى كانت تتداخل مع أغاني الكباريه نفسه، ولكن في الوقت نفسه فرضت شخصيتها وكانت من أهم عوامل نجاح هذا الفيلم.
0 comments
Post a Comment