
أحيل الزميل عبدالخالق فاروق الصحفي والكاتب والباحث الاقتصادي للتحقيق أمام المدعي العام العسكري «فيما ورد في كتابه «عريضة اتهام ضد مبارك» الصادر في يناير الماضي»، طبقا لما نشر في صحيفة البديل يوم الخميس الماضي.
وإحالة صحفي «مدني» إلي القضاء العسكري انتهاك للدستور ولحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في «الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي»، ومع ذلك فالقوانين القائمة تخالف بوضوح النص الدستوري والمواثيق والإعلانات الدولية التي وقعتها وصدقت عليها الدولة المصرية، خاصة المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي حول الاستقلال والعدالة الصادر في مؤتمر مونتريال بكندا عام 1983 وقرارات مؤتمر العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان في سيراكوزا بإيطاليا عام 1985.
فالمادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 34 لسنة 1966 تعطي لرئيس الجمهورية الحق في ظل إعلان حالة الطوارئ «وحالة الطوارئ معلنة في مصر بصورة شبه دائمة» لإحالة أي جريمة تقع بالمخالفة لقانون العقوبات أو أي قانون آخر للقضاء العسكري.
وينص البند (2) من المادة الخامسة من نفس القانون علي سريان أحكام هذا القانون علي الجرائم التي تقع علي معدات أو مهمات أسلحة وذخائر «ووثائق وأسرار القوات المسلحة وجميع متعلقاتها»، واستخدمت هذه الفقرة لمحاكمة عدد من الصحفيين في السنوات الأخيرة أمام القضاء العسكري بتهمة مخالفة المادة (1) من القانون رقم 313 لسنة 1956 بحظر نشر أي أخبار عن القوات المسلحة والمعدل بالقانون رقم 14 لسنة 1967 ونشر أنباء عن مناورات كانت تجريها القوات المسلحة دون الحصول علي إذن مسبق من المخابرات الحربية، أو لنشرهم لموضوعات عن تاريخ المخابرات العامة قبل عام 1967 بالمخالفة للمادة 70 مكرر «ب» و70 مكرر «جـ» من القانون رقم 100 لسنة 1971 الخاص بالمخابرات العامة والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1989.
وتفتقر المحاكم العسكرية إلي ضمانات التخصص والاستقلال والحيدة المفترضة في القضاء الطبيعي، حيث لا يشترط في قضاة المحاكم العسكرية التي يقتصر تشكيلها علي ضباط القوات المسلحة الحصول علي المؤهل القانوني المناسب، والمحاكم العسكرية جزء من الإدارة العامة للقضاء العسكري والتي هي إحدي إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة وقضاتها قابلون للعزل، وتخضع أحكامها لسلطة التصديق من القائد الأعلي للقوات المسلحة أو من يفوضه من ضباطها، ويخرج قانون الأحكام العسكرية علي كثير من المبادئ العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، وعلي عكس المحاكم العادية تتجاهل المحاكم العسكرية وقوع تعذيب علي المتهمين وتأخذ بالاعترافات المستخلصة تحت التعذيب رغم أن قضاء النقض استقر علي أنه «لا يجوز الاعتداد بالاعتراف - ولو كان صادقا - متي ثبت أنه غير صحيح، كما إذا وقع تحت تأثير الإكراه».
وقد أحيل للمحاكم العسكرية في الفترة من 1992 وحتي 2002 ست وثلاثون قضية بلغ عدد المتهمين «المدنيين» فيها 1117 مواطنا، وأحيل 17 صحفيا وناشرا ورئيس تحرير في الفترة من 1991 إلي 1995 للمحاكمة أمام القضاء العسكري وعوقب عدد منهم بالحبس من ستة أشهر إلي سنة.
والعودة مرة أخري لمحاكمة الصحفيين أمام المحاكم العسكرية عدوان جديد علي الحريات العامة وحرية الرأي والصحافة، ودعم للدولة البوليسية الاستبدادية القائمة، وزج بالقوات المسلحة التي تحظي باحترام وتقدير الشعب المصري لدورها في الدفاع عن الوطن وأمنه في الخلافات السياسية والحزبية.
ولوقف هذا العدوان لابد من إسقاط كل المواد القانونية التي تجيز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وحرمانه من قاضيه الطبيعي، بدءا بقانون الأحكام العسكرية وقانون بحظر نشر أخبار القوات المسلحة وقانون المخابرات العامة، إضافة إلي إلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر.
0 comments
Post a Comment