Monday, June 16, 2008

السيد زهرة

Posted by مجلة المصداقية السياسية at 12:46 PM
السيد زهـــــــــــــــــــــرة ورحيل سعد اردش
رحل سعد اردش.. رحل الفنان الكبير، والأستاذ المعلم، وعملاق المسرح العربي. سعد أردش لم يكن مجرد أستاذ تعلم على يديه مئات من تلامذة المسرح الذين أصبح الكثيرون منهم فنانين كبارا.. لم يكن مجرد مخرج مسرحي قدير ترك في تاريخ المسرح العربي عشرات المسرحيات الخالدة.. ولم يكن مجرد ممثل كبير. سعد أردش كان قبل هذا وبعده صاحب رسالة مسرحية.. صاحب رسالة تنوير وتقدم ونهضة فنية وطنية عربية. برحيل سعد أردش يكون قد رحل عملاق آخر من جيل الكبار. ذلك الجيل الذي ملأ حياتنا فنا راقيا جميلا، ورسخ قيما وطنية عربية، وشارك في نهضة أمة.
سعد أردش كان ابنا لعصر اصطلح على تسميته «العصر الذهبي« للمسرح المصري والعربي. وهو نفسه كان «العصر الذهبي« أيضا للغناء العربي، وللفكر العربي، وللرواية العربية، وللإبداع العربي بشكل عام.. عصر الخمسينيات والستينيات.. عصر الزعيم جمال عبدالناصر. في المسرح، جيل سعد أردش يضم أسماء مبدعين كبارا في الكتابة والإخراج والتمثيل، من امثال، سعد الدين وهبة، على الراعي، نعمان عاشور، محمود دياب، يوسف ادريس، وعبدالرحمن الشرقاوي، وجلال الشرقاوي، واحمد عبدالحليم، وغيرهم كثيرون. أبناء هذا الجيل في المسرح، مثلهم مثل ابناء جيلهم في الغناء والتمثيل والفكر وفي كل مجالات الابداع، كانوا ابناء مشروع تاريخي هائل للنهضة العربية.. مشروع ثورة يوليو. يقول سعد أردش في احد حواراته الصحفية «ظاهرة مسرح الستينيات لم يكن يتاح لها ان تتأسس إلا في ظل معطيات ومشروع ثورة يوليو، وفي ظل مناخها«. لم يكونوا تابعين او مجرد مرددين لرسالة تملى عليهم كما يحلو للبعض ان يقول. كان هؤلاء المبدعون الكبار شركاء في مشروع النهضة بالمعنى الحرفي للكلمة. يقول سعد اردش: «كل من اسهموا في الثورة الثقافية المصاحبة لثورة يوليو هم من الثوار وليسوا مجرد تابعين للثورة لأنهم عانوا ما عاناه الضباط الاحرار وعاشوا ما عاشوه في سنوات ما قبل الثورة وشاركوا الضباط حلمهم في ضرورة التغيير«. إذن، كانت النهضة المسرحية الهائلة في ذلك العصر الذهبي نتاجا للقاء بين امة تمتلك مشروعا للنهضة، وقيادة تؤمن بدور الثقافة والفن في بناء هذا المشروع ووفرت للمبدعين المناخ المواتي لحرية الابداع، وبين هؤلاء الفنانين المبدعين الكبار الذين كان الفن بالنسبة اليهم رسالة. الكثيرون يحلو لهم أن يتحدثوا عن كبت الحريات في عهد عبدالناصر. وحقيقة الامر ان المسرح وكل مجالات الثقافة والابداع تمتعت بحريات في ذلك العهد لم تتوافر بعد ذلك. وكانت النتيجة ثراء تاريخيا شهدته الحركة المسرحية عبرت فيه عن كل المدارس المسرحية المعروفة. يكفي ان نتأمل حكايتان حكاهما سعد اردش في احد الحوارات معه. الحكاية الاولى، في عهد عبدالناصر. وكان أردش وقتها يعرض مسرحيته الشهيرة «سكة السلامة«. وحدث ان بعض رجال السلطة اوحوا لعبدالناصر انه هو المقصود بسائق الاوتوبيس في المسرحية، الذي ضل الطريق بالركاب واصروا على منع العرض. لكن عبدالناصر رفض وارسل السيدة تحية عبدالناصر لمشاهدة العرض واشادت به جدا. لكن رجال السلطة هؤلاء اصروا على رأيهم وطالبوا بمنع العرض، فطلب عبدالناصر تصوير المسرحية ليشاهدها بنفسه. وبعد ان شاهدها، قال: «مين الحمار اللى قال ان السواق ده هو عبدالناصر؟« بحسب من نقلوا عنه. والحكاية الثانية، في بداية عصر السادات، وكان سعد أردش مديرا للمسرح القومي. كان الموسم المسرحي للمسرح القومي يتضمن مسرحيات كبيرة وخصوصا «عفاريت مصر الجديدة« لعلي سالم، ومن بعدها «باب الفتوح« لمحمود دياب، ومن بعدها كان كرم مطاوع يعد لعرض مسرحية عبدالرحمن الشرقاوي «الحسين شهيدا«. كان عبدالقادر حاتم نائبا لرئيس الوزراء فاستدعى سعد أردش وطلب منه تغيير برنامج المسرح القومي كي «يستوعب الاعمال الترفيهية الفودفيل والكوميديا«. لكن اردش قال له: لا استطيع ان افعل هذا واخجل من تقديم ما تطلبونه من مسرح استهلاكي امام ابنائي وجمهوري وتلاميذي. كان عهدا جديدا قد بدا. عهد له سياسات وقيم اخرى غير سياسات وقيم عهد عبدالناصر. اصبح مطلوبا رجال مسرح وثقافة جددا يبشرون بالقيم الاستهلاكية الجديدة. لم يعد للأمة مشروع وطني قومي للنهضة يلهم مبدعيها في المسرح ولا في مجال آخر للثقافة والفن. وبدا عهد تراجع الحركة المسرحية والثقافية والفنية الى ان وصلنا الى ما نحن فيه من تدهور وانحطاط. غير ان تاريخنا الحضاري سوف يظل يذكر دوما لهؤلاء المبدعين الكبار افضالهم وادوارهم التاريخية التي لعبوها في مشروع النهضة. وحين تنهض الامة من كبوتها الحالية، وهو ما سوف يحدث حتما.. حين تتطلع الى بناء مشروع جديد للتقدم والنهضة، سوف يبقى هؤلاء الكبار وإبداعاتهم مصدر الهام متجدد. سعد أردش أثرى حياتنا المسرحية وتاريخنا الثقافي بفن جميل راق وأعمال مسرحية خالدة وقيم نهضة وتقدم. رحمه الله وأسكنه فسيح جناتهImage Hosted by ImageShack.us

0 comments

 

خادم الحرمين زعيم العرب وامير المؤمنين Copyright © 2009 Blue Glide is Designed by Ipietoon Sponsored by Online Journal