تقرر بشكل نهائي تجديد العمل بقانون الطوارئ لمدة ستة أشهر حتى تتاح الفرصة لمناقشة قانون مكافحة الإرهاب الجديد في الدورة البرلمانية القادمة التي تبدأ في الخريف القادم، وهكذا يكون قانون الطوارئ قد سيطر على الحياة السياسية في مصر منذ عام 1981، أي منذ تولى الرئيس مبارك السلطة خلفا للسادات الذي لقى مصرعه في مشهد دراماتيكي.
وقد زعمت السلطة ان القانون لم يستخدم ضد السياسيين وان استعماله كان محصورا في مواجهة عمليات الإرهاب التي تشنها الجماعات الإسلامية المتطرفة وبعض تجار المخدرات، لكن الوقائع تشير الى ان أجهزة الامن توسعت في استخدام قانون الطوارئ في تقييد حركة المعارضة، وخنق الاحزاب ومنعها من التفاعل مع الجماهير، وقد تم تخريب اي حزب يحاول ان يكون جادا في معارضته للنظام، وجرى تدمير حزب العمل بقيادة المهندس ابراهيم شكري عندما تولى الاسلاميون قيادته بزعامة مجدي احمد حسين، واقفلت السلطة صحيفة "الشعب" لسان حال الحزب لأن لسانها كان شرسا ضد الرئيس والنظام والحزب الحاكم، وتم حبس ايمن نور رئيس حزب الغد الذي نافس الرئيس مبارك في الانتخابات وجرت الاطاحة بالكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الذي تجرا ايضا على منافسة مبارك في الانتخابات، والشاهد ان السلطة توسعت في استخدان القانون بوجه خاص ضد المعارضة الاسلامية وحشدت في السجون نحو اربعين ألف معتقل في منتصف التسعينات، وأدى ذلك الى ظهور حركات احتجاجية جديدة لم تعرفها مصر من قبل سواء كانت حركات منظمة مثل "كفاية""وحركة 9 مارس لاساتذة الجامعات او صحفيون بلا قيود، او انتفاضات فجائية مثل الاضرابات والاعتصامات والتي بلغت نحو 200 حالة خلال العامين الاخيرين.
وقانون الطوارئ فشل في منع العنف والإرهاب، وفي ظله وقعت محاولات اغتيال لرئيس الوزراء عاطف صدقي ووزيري داخلية سابقين وكتاب وشعراء، كما في وجود الطوارئ تم ذبح السياح الاجانب في الاقصر، وجرت تفجيرات طابا ودهب بالسيارات المفخخة، وهو نمط غير معتاد في عمليات العنف في مصر، الامر الذي دفع السياسيين من كل الاتجاهات الى الاتفاق بأن قانون الطوارئ لم تعد له أي مبررات موضوعية او شكلية فما يسمى الإرهاب الاصولي الذي شكلته جماعات اسلامية متشددة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي انتهى عمليا وفكريا بصدور مراجعات فكرية لقادة الجماعة الاسلامية والجهاد صاحبها مبادرة وقف لجميع اشكال العنف من طرف واحد عاد 1997 وإعلان التوبة، وخروج المعتقلين من السجون، واذا كان الأمر كذلك فان قانون مكافحة الإرهاب فقد من الناحية الامنية مبررات وجوده، وبات هذا القانون عبئا على النظام فهو يسيء الى سمعة مصر في الاوساط الدولية، باعتباره احد القوانين الاستثنائية التي لا تصدر الا في حالات محددة كأن تتعرض البلاد الى غزو خارجي او إرهاب داخلي، لكن مصر في أمان فلا هي معرضة لغزو، ولا يوجد إرهاب محلي يهددها، وادركت السلطة انها في مأزق حقيقي فهي وقد ادمنت العيش في حماية القوانين الاستثنائية لا تستطيع ان تعيش بدونه، وفي نفس الوقت هناك ضغوط دولية ومحلية لانهاء حالة الطوارئ وهنا تفتق ذهن فقهاء السلطة عن قانون جديد اسموه "قانون مكافحة الإرهاب"
فماذا كان رد فعل المجتمع السياسي عليه؟
واقع الحال ان فقهاء القانون الدستوري وجدوا في قانون مكافحة الإرهاب ثغرات تتعارض مع روح الدستور بما فيه من حقوق للمواطن، كما ان المعارضة الحزبية التي تضم الصقور والحمائم رفضت القانون، واعترض عليه بعض نواب الحزب الوطني لأنه يحتوي على عدد من المواد وصفها المراقبون بأنها سالبة للحريات، بل هي أكثر قسوة من قانون الطوارئ، فضلا عن ان حزبا واحدا هو الذي اعده ولم تشارك في صياغته قوى المعارضة، ولعل انفراد حزب الحكومة بصياغة القوانين يشكل تهديدا للحياة السياسية والاقتصادية في البلاد على حد وصف دراسة كتبها ديفيد شنيكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى توصل فيها ان مصر تواجه ثلاثة تحديات تؤرق النظام والجماهير وهي: زيادة التضخم وتفاقم ازمة الاسعار والارتباك في التشريعات القانونية، ويرى الباحث ان نظام مبارك يسعى الى نوع من التحرر الاقتصادي دون ان يواكبه تحرر سياسي، او هي تتجه الى رأسمالية السوق بدون أن تمنح العمال والموظفين حقوقهم الديمقراطية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى اتساع حركات الاحتجاج افقيا ورأسيا، وتنوعت بين اضراب موظفي الضرائب العقارية الى اعتصامات عمال المحلة وكفر الدوار، والحل لا يكون بتغليظ القوانين السالبة للحريات، وإنما بتوسيع رقعة الديمقراطية والحريات السياسية والاعلامية، واتاحة الفرصة امام الاحزاب لكي تنزل الى الشارع وان تختلط بالمواطنين، وأن تسعى لترويج برامجها بدلا من خنقها داخل مقراتها وصحفها، فلا سبيل امام الحكومة الا أن تفرج عن العمل السياسي المحبوس منذ ثلاثة عقود، وأن تطلق النشاط السياسي في الجامعات والمصانع والاندية الاجتماعية وأن توفر بيئة سياسية صحية لتداول الافكار بما يرشح لتداول سلمي في السلطة وعندها لن تكون هناك أي حاجة لقانون طوارئ او قانون مكافحة الإرهاب، لسبب بسيط هو ان الإرهاب - اصلا- صناعة حكومية، وان الحكومات الديمقراطية لا تخشى رد فعل الجماهير بعكس حكومات الاستبداد.
-
0 comments
Post a Comment