

لقد نفى عمرو موسى تهمة التقصير عن الجامعة العربية وحجته أن الجامعة هي أول من استضاف مؤتمر المصالحة العراقية عام 2005 ولكن دولاً إقليمية وأجنبية هي التي أعاقت هذه المصالحة(!!).
هكذا، كل ما يهم عمرو موسى هو المصالحة، ولكن مصالحة من مع من، لا يهم، ونسي أنه أول من تحدث بحماسة عن "العراق الجديد" في اعتراف صريح بواقع الاحتلال، ونسي أن الجامعة ومؤتمرات قمتها واجتماعاتها الوزارية، لم تتحدث عن الاحتلال الأمريكي للعراق، ولم تصدر منها أية إدانة لهذا الاحتلال، ولم تطالب بخروجه ولم تقدم أي بدائل تحمي العراق بعد خروج الاحتلال. كما نسي أن الجامعة ظلت ومازالت تتجنب أي حديث يدعم المقاومة الوطنية أو حتى يعترف بها، ناهيك عن توفير سبل النجاح المادية والمعنوية لها.
تقصير الجامعة العربية بحق العراق ليس له حدود، وعدم التوازن في أجندة عمل الجامعة وأولوياتها أيضاً ليس له حدود، وانفعال عمرو موسى بشأن عدم توازن موقف الجامعة مع أزمة العراق مقارنة بالأزمة اللبنانية ليس له ما يبرره، لكنه، ولحسن الحظ أفاد كثيراً في تفجير قضية أخرى شديدة الأهمية لها علاقة بأداء الجامعة العربية ومجمل النظام العربي وهي قضية خضوع الجامعة لتوجيهات دول عربية بعينها والأخطر أنها باتت تحسب حسابات كثيرة للموقف الأمريكي.
فالاهتمام المكثف والمثير من جانب الجامعة بالأزمة اللبنانية كان يعبر من ناحية عن مخاوف حقيقية بالنسبة للبنان، لكنه كان يعبر أيضاً عن استجابات لضغوط دول عربية بعينها، تماماً كما يعبر الموقف السلبي للجامعة من استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق عن اهتمامات ومواقف هذه الدول العربية النافذة وحسابات المصالح مع الولايات المتحدة. لقد كان الانفعال شديداً من جانب الجامعة العربية، بتحفيز من هذه الدول، على نزول المعارضة اللبنانية إلى شوارع بيروت تعبيراً عن رفض القرارين الصادرين من حكومة فؤاد السنيورة بحق المقاومة ولم يحدث شيء من هذا الانفعال على كل الجرائم التي تقوم بها قوات الاحتلال الأمريكية ضد العراق وشعبه منذ الغزو وحتى الآن. لم يطالب أحد بخروج الاحتلال، ولم يطالب أحد بإدانة الغزو والمتسببين في كل الجرائم التي يعيشها العراق.
رغم ذلك، فإن هناك الآن فرصة لتحويل الانفعال الذي عبر عنه موسى في رفضه تقصير الجامعة بحق العراق إلى عمل ايجابي. فالعراق معرض ومهدد الآن بجريمة أخرى جديدة لا تقل عن جريمتي الغزو والاحتلال وهي جريمة فرض معاهدة أمنية طويلة المدى تسعى إدارة بوش لإجبار الحكومة العراقية على التوقيع عليها قبل رحيل هذه الإدارة، وقبل انتهاء عمل القوات الدولية في العراق مع نهاية هذا العام.
إدارة بوش تهدف، بهذه المعاهدة، إلى فرض وجود عسكري أمريكي في العراق طويل الأمد، وتمكين واشنطن من فرض سيطرتها الكاملة على القرار الوطني في العراق من خلال سلسلة من المعاهدات الاقتصادية والسياسية والثقافية كي يبقى العراق وثرواته، خاصة النفطية، تحت السيطرة الأمريكية.
الإدارة الأمريكية حريصة على فرض توقيع عراقي سريع على هذه المعاهدة، ولكن معظم القوى السياسية في العراق، وبالذات أطراف من الائتلاف الحاكم ترفض المعاهدة وتراها انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق واستقلاله الوطني، وبعضها يأمل في التأجيل حتى رحيل إدارة بوش ومجيء إدارة جديدة يمكن التوصل معها إلى اتفاق أفضل.
على هذا النحو يمكن القول إن الجامعة العربية أمامها الآن فرصة مواتية للتكفير عن تقصيرها بحق العراق وذلك بمنع اقرار معاهدة الذل والهوان التي تحاول أمريكا فرضها، وبطرح أفكار سياسية جديدة ضمن مشروع عربي أوسع خاص بمستقبل العراق استعداداً لتفاعل ايجابي مع إدارة امريكية جديدة قادمة
0 comments
Post a Comment